الأحد، 16 أغسطس 2015

العلم أم الدين؟

إن أكثر الأسئلة المطروحة في واقعنا اليوم والتي تستخدم غالباً سواء من الطرف المتديّن لاختبار ايمان الشخص أو من الطرف الآخر لاختبار مدى ثقافته "هل تفضل العلم أم الدين؟" والسائل هنا تغافل عقله عن كثير من الأشياء التي تقوّض أركان السؤال والكثير بدأ قلمهُ يسوّد مئات الصفحات ليجيب عن هذا السؤال الذي لا يتجاوز بضع كلمات. فبدأوا ينعتون نصير العلم بالكفر والزندقة والمتدين بالمؤمن الصادق التقي، أو عكس هذا عند الأطراف الأخرى، فكلّ تيار يهمّش الرأي المخالف.
لكن الأهم قبل أن نجيب عن أي تساؤل بسيطاً كان أو عميقاً عصيّاً على عقول البسطاء أن نحرر معناه ومقصده فهذا السؤال أشبه ما يكون سوفسطائياً خالياً من معنى وروح أي سؤال لأن أي دين لا نستطيع إليه سبيلاً في غياب العقل أو تغييبه والانغماس في مستنقعاتٍ لا نجاة منها إلا به.

إنّ جميع الأديان بدأت برسالات روحية تتسامى عن الماديات وتطلق العنان للروحيّات؛ ومن أهدافها ضبط المجتمعات ضمن نظام واحد يتلاءمُ مع بيئتها وظروفها المعيشية والاجتماعية. وليس من شأنها أبداً التدخل في قوانين الكون والفيزياء والطب وشتّى العلوم التي يسير الإنسان لاكتشاف كل شيء، من الذرّة حتى المجرّة. والمتدينون هم الذين يريدون التدخّل كلّ شيء لإخضاعه لفهمها لتراتيل الكتب المقدسة وهذا بلا شك جهلٌ مطبق..
والعلم من الطرف الآخر لا يريد أن يخضع الدين له ولا أن يُخضع أحداً؛ هدفه الرئيس هو البحث المستمر المحفوف بالمتاعب، المتوّج بالهزائم والانتصارات على هذا الوجود المنظّم والقابل للفهم كما عبّر آينشتاين عن ذلك بقوله "إن أكثر شيء غير مفهوم هو أنَّ هذا الكون قابل للفهم". ولا نستطيع التعميم فهناك بعض الأشخاص يتسلّحون بالعلم لمجابهة الدين وخرافاته على تعبيرهم؛ هؤلاء أيضاً ليس هدفهم الحقيقة بل جعل الحقيقة وسيلة لتدمير الوجود بدل أن تكون وسيلة لفهمه..
كما رأينا، هما منهجان مختلفان تمامَ الاختلاف ولا يوجد ذلك التعارض الصارخ إذا قرأنا أمَّ العلم والدين والغاية الأولى من كلا الاثنين. والشرائع الدينية لا يمكن أن تفلح إن بقيت بل يجب أن تواكب التطور، والتقدّم والمنهج العلمي أيضاً يتطور باستمرار ليصل للأفضل. فلا أحد ساهم اليوم في سبيل البحث ومنهجهُ عفا عليه الدهر منذ أزمان ولن يتمكّن أي متدّين بعقليته المتزمتة الصلبة التي تقدس أشياء أيضاً عفت عليها أزمان. نحن لا نقيّد عقولنا بأشياء معينة فنصبح بذلك متعصّبين متحجرين، بل على العكس تماماً نبقى نبحث إلى ما لا نهاية.

نتلقى الانسانية من فطرتنا التي فُطرنا عليها كأخوة على اختلاف الطوائف والاجناس.. نمضي سنيّ عمرنا في سلام واطمئنان.. مبحرين على دروب العلم شتى..

المؤلف: لؤي حاج يوسف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق