الخميس، 20 أغسطس 2015

التدين الفلكلوري والمظهري.. بين استغلال اليسار واحتكار الإسلاميين

إن مسألة التدين هي جوهر الأطروحة الدينية حيث يلتزم داخلها الفرد بطقوس تعبدية بطريقة فردية أو جماعية تكون في علاقة عمودية مع الله. وجاء الدين الإسلامي الحنيف للعناية بجوهر رسالته وهي ترسيخ الوحدانية في قلوب البشر وبناء جميع أفعال البشر على قاعدة "لا إله إلا الله". فالتدين في لب معناه هو ما يحفظ به الإنسان علاقته بربه وما ينبني عليه تعامله مع الناس. ولذلك اعتنى النص التشريعي في الإسلام بالفرد ونظم مسألة إسلامه ثم أسس لمعنى إيمانه وصولاً إلى بلوغه درجة الإحسان وهي الدرجة الأعلى للتدين. وكل هذا الإهتمام بالفرد ينبني على وعي النص الشرعي والفقهي بحاجة الفرد للتدين الحقيقي ليعيش كما ينبغي.
       وعندما نبحث في نصوص التراث الإسلامي الفقهي والفكري نجد أن الفرد هو قطب الرحى التي تنبني عليه الأمة ولا يكون هذا الفرد بهذه المواصفات إلا إذا كان متديناً حقاً. وقد نلحظ في هذه المسألة أن النص القرآني والأثر النبوي إعتنى بكيفية ضمان هذا التدين للفرد، إذ ركز في مجمله على سريته وخفيته وتقلبه وجعل علمه لله دون غيره وأهميته تكمن في علم الله به فقط. وهذا ما يحيلنا على أن التدين هو مفهوم يخفى على الناس غايته هو علم الله به.

وقد شهدت هذه المسألة إخلالات مختلفة عند جميع مركبات المجتمعات العربية. فنجد أصحاب الفكر القومي واليساري الحداثي يستعمل هذا المفهوم لإضفاء شرعية روحية على نفسه وذلك عبر إحياء بعض المناسك الدينية بطريقة الفلكلور الشعبي، مثل زيارة أضرحة الأولياء الصالحين، وإحياء ليلة المولد النبوي بالأغاني الصوفية في شكل احتفال يبهر المتلقي، كما يتم استعمال التدين عندما يتناسب رأيهم مع النص الديني. أما التدين السلفي أصبح أشبه باللوحات الإشهارية، حيث يٌقيّم التدين عند "السلفية" عبر طول اللحية وتقصير الثوب وتغطية المرأة لوجهها، فصارت الفروع أصولاً والأصول فروعاً عندهم لينعدم المفهوم الروحي لقضية الإيمان وينحصر في لباس وشكل وفهم للنص الديني فقهاً لا عقيدةً جاء به أهل الظاهر كما عرفوا. أما الإسلاميون فأضحت المسألة لديهم عبارة عن وعاء يملأ بكل شي ويتم الأخذ منه في كل وقت وحين، حتى صار المنتسبون إليهم يجعلون من هذه المسألة أمراً سهل المنال لا تستحق تعب التعلم والعبادة، ليصل الأمر إلى تشييء هذا المفهوم عند بعضهم بعلمنته وإضفاء المادية عليه، وذلك عبر جعل التدين مجرد دعاء وأذكار تنشر على الحائط الإفتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك للحصول على القدر الأعلى من الإعجابات ليصبح عند الناس محموداً، وهذا ما يعبر عنه بالتدين المظهري أو إسلام السوق الذي يصبح فيه التدين لوحة إشهارية للعموم لا علاقة سرية بين العبد وربه.
وهنا نستنتج أن مسألة التدين تم السطو على معناها وروحها وذلك بتفريغها من لبها والتجني عليها لضمان مكانة بين الناس لا تسمن ولا تغني من جوع. فخطاب النبوة كان موجه إلى القلب والسريرة والتقوى مكانها القلب والتوحيد مكانه القلب والأعمال والأفعال لا يعلم درجة قبولها وصحتها إلا الله، ولهذا كانت النية والإخلاص أس الأعمال لأنها هي من توجهها فأعظم عبادة عندنا هي الصلاة وهي فعل قائم على النية والإخلاص، وصلاحها يعني صلاح باقي الأعمال وهي علاقة عمودية بين الفرد وربه لا يمكن أن يكون فيها ثالث.
وما نلحظه اليوم هو غياب التدين الحقيقي لدى كثير من الناس جراء التخلي عن جوهره القائم على "إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة" وعلى أن "أول ما تسعر النار يوم القيامة بثلاث: عالم، ومجاهد، ومنفق كريم".

وبناء على هذا نخلص كون إبراز تديننا للناس وتقوانا وتصنيف الناس على هذا المنحى يعد جريمة في حق الإسلام، والذي نهانا على تصنيف الناس على أساس العبادة والورع، فالأحاديث جاءت عديدة في من تكثر عباداتهم وصلواتهم ولا يدخلون الجنة بسبب فساد قلوبهم وسريرتهم، فعلينا أن لا ننظر إلى صلاة أحد ولا صيامه ولا ما ينشره من أدعية وأذكار وإدعاء للمعرفة والعلم بل نقيس الناس بمقاييس أخرى ربما هي الأقرب للواقع، فنخلص أخيراً أن التدين الحقيقي يحتاج لعقول تفكر وقلوب تصدق وسواعد تعمل فما وصل إليه المجتمعات الإسلامية خاصةً اليوم وبعد غزو عالم ما بعد الحداثة لقيمهم وعلمنة روحانياتهم يعد ناقوس خطر على المحافظة على هذا الدين الحنيف عندهم، لذلك على كل المنتسبين إلى هذه المجتمعات إعادة هذا المفهوم الروحاني النقي إلى إطاره الفرداني الذاتي وعدم التدخل فيه من أي طرف كان إسلامياً أو غيره، وجعل التدين قوة ذاتية نبني عليها مجتمع وأمة لا لوحة إشهارية نحكم بها على الناس في إطار المزايدة والمحاصصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق