الاثنين، 17 أغسطس 2015

المقامة الطلابية


ذَكَرُوا فِي مَا أَتَى مِنْ أَخْبَارِ طَلَبَةِ العِلْمْ ذَوِي الفُكَاهَةِ، أَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمُ قَدْ تَحَلَّقُوا حَوْلَ صَحِيفَةِ صَاحِبِهِمْ يَتَمَازَحُونَ. وَجَاءَ فِيهَا حَدِيثٌ لَهُمُ مَعَ مُعَلِّمِ النَّحْوِ وَالإِعْرَابِ يَصِفُهُمْ بِمَا أسَرَّ نُفُوسَهُم وَأَغَبَطَهَا. وَيُذْكَرُ أَنَّهُ مِنْ نَوَادِرِ الرِّجَالِ فِي عَصْرِهِ لِمَا تَمَيَّزَ بِهِ مِنْ طَرَافَةٍ فِي العَرْضِ وَإِتْقَانٍ فِي التَّوْجِيهِ خَاصَّةً أَنَّ مَخْزُونَ مَعْرِفَتِهِ وَدَرَجَةَ اِرْتِقَائِهِ فِي سُلَّمِ المُعَلِّمِينَ تَكَادُ تَنْقَرِضُ.


وَبَيْنَمَا هُمُ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِهِمُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ فِي جُمْلَةِ مِمَّنْ مَرَّ مِنْ الخَلْقِ أَحَدُ مَعَارِفِهِمُ وَسَمِعَ مَا جَاءَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمُ مِنْ مَدْحٍ وَتَعَابِيرَ إِعْجَابٍ إِنْ نَمَّتْ فِي الوَاقِعِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّمَا هِيَ تَنِّمُ عَنْ صِدْقِ مَحَبَّتِهِمُ وَنُبْلِ وَفَائِهِمُ لِشَخْصِهِ وَمَقَامِهِ.

وَلَمْ يَمُرَّ أُسْبُوعٌ حَتَّى بَلَغَ مُعَلِّمَهُمُ مَا كَانَ بَيْنَهَمُ يَوْمَهَا. فَدَخَلَ عَلَيْهِمُ وَقَدْ اِسْتَشَاطَ غَضَبًا وَبَدَتْ عَلَى مَلاَمِحِهِ الصَّرَامَةُ. فَاِتَّخَذَ لَهُ مَجْلِسًا وَجَعَلَ يَسْرُدُ عَلَيْهِمُ قِصَّتَهُمُ وَسَأَلَهُمُ عَنِ الفَاعِلِ المُتَوَرِّطِ فِي كِتَابَةِ ذَاكَ المَنْشُورِ بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ الجَهْلِ وَالخِيَانَةِ. فَمَا كَانَ مِنَ الطَّالِبِ المَعْنِيِّ إلِاَّ أَنْ رَفَعَ يَدَهُ مُعْتَرِفًا وَقَدْ نَكَسَ رَأْسَهُ مُحْمَرَّ الوَجْهِ مُغْرَوْرَقَ العَيْنَيْنِ.

فَلَطَمَ الجَمَاعَةُ وُجُوهَهُمُ وَاِسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمُ وَظَنُّوهَا نِهَايَةَ صَاحِبِهِم. وَأَدْرَكُوا أَنَّ وَاشِيًا قَدْ خَبَّرَهُ بِأَمْرِ الصَّحِيفَةِ فَكَادُوا أَنْ يَتَآمَرُوا عَلَى الأَخْذِ بِثَأْرِهِمُ، لَولَا أَنْ ضَحِكَ المُّعَلِّمُ فِي النِّهَايَةِ وَأَبَى الإِفْصَاحَ لَهُمُ عَنْ اِسْمِهِ، وَخَاطَبَهُمُ بِلِسَانٍ أَعْجَمِيٍّ فَقِهُوا مِنْهُ أَنَّ مَا حَصَلَ قَدْ حَصَلَ وَأَنَّ العِبْرَةَ فِي حُسْنِ النَّوَايَا. وَاِتَّفَفقَ مَعَهُم عَلَى كَتْمِ مَا يَدُورُ فِي مَجَالِسِهُمُ مِنْ خَاصَّةِ الأَسْرَارِ.

المؤلّف: مريم الشُّول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق