الاثنين، 24 أغسطس 2015

هل للحَمَّار عزيمة!

- من أنت؟ ماذا تكون؟ ماذا تنوي أن تفعل؟ ما هو هدفك؟ لماذا تعيش؟ ماذا قدمت؟ ماذا ستقدم؟
- مهلا مهلا مهلا.. هل تحاول أن تكلمني في التنمية البشرية؟... توقف تريد أن تأخذ مالي لن أنصت إليك!!
- لا، أبدا، فأنا مثلك كنت أعيش بلا هدف ولا معنى، كنت أعيش لأعيش فقط، أو ربما لأحصل على سيارة فخمة ومنزل راق وأموال... هكذا علمونا معنى النجاح الحياة، إلى جاء أحدهم يلبس طقما جديدا وقال لي هلا سمعت مني فإن أعجبك ما قلت طبق وإن لم يعجبك فانصرف عنه، فقلت والله لقد أنصفت هات ما عندك، فقال: 
- كان هنالك ثلاثة من الشباب يعملون حمّارِين، يحملون البضائع للناس من الأسواق إلى البيوت على الحمير- وفي ليلة من الليال وبعد يوم من العمل الشاق، قال أحدهم واسمه "محمد " افترضنا أني صرت خليفة.. فماذا تتمنيان؟ فقالا يا محمد إن هذا غير ممكن. فقال: افترضا جدلاً أني خليفة.. فقال أحدهم هذا محال وقال الآخر يا محمد أنت تصلح حمّار أما الخليفة فيختلف عنك كثيراً.. قال محمد قلت لكما افترضا جدلاً أني خليفة، فقال أحدهما: أريد حدائق غنّاء، -وماذا بعد؟- قال الرجل: إسطبلاً من الخيل، -وماذا بعد؟- قال الرجل: أريد مائة جارية.. -وماذا بعد أيها الرجل؟- قال مائة ألف دينار ذهب، -ثم ماذا بعد؟- يكفي ذلك يا أمير المؤمنين، وقال الرجل الثاني: اسمع يا محمد إذا أصبحت خليفة فاجعلني على حمار ووجِّه وجهي إلى الوراء ومُرْ مناديا يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناس! أيها الناس! هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن... وانتهى الحوار ونام الجميع.
-وانطلق محمد- (ابن أبي عامر) وعرف أن طريق الحمارة لن يوصله إلى الخلافة، فأدرك أن أول خطوة تكون بدخوله سلك الشرطة وترقى في عمله حتى أصبح رئيساً لقسم الشرطة في الدولة الأموية في الأندلس. ثم مات الخليفة الأموي وتولى الخلافة بعده ابنه هشام المؤيد بالله وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات،  وأجمعوا على أن يجعلوا عليه وصياً ولكن خافوا أن يجعلوا عليه وصياً من بني أمية فيأخذ الملك منه.. فقرروا أن يكون مجموعة من الأوصياء من غير بني أمية، وتم الاختيار على محمد بن أبي عامر وابن أبي غالب والمصحفي، و استطاع في النهاية أن يتفرد صديقنا محمد بالسلطة وأصبح الخليفة... نعم الخليفة، ولُقِّبَ بالحاجب المنصور محمد بن أبي عامر.
و في يوم من الأيام، وبعد ثلاثين سنة من بيع الحمار، والحاجب المنصور يعتلي عرش الخلافة وحوله الفقهاء والأمراء والعلماء، تذكر صاحبيه الحمّاريْن، فأرسل أحد الجند وقال له: اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتِ بهما، ووصل الجندي ووجد الرجلين بنفس الصفة وفي نفس المكا... العمل هو هو.. المقر هو هو.. المهارات هي هي.. بنفس العقلية حمّار منذ ثلاثين سنة، ووصلوا إلى القصر، دخلوا القصر نظرا إلى الخليفة.. قالا باستغراب إنه صاحبنا محمد... قال الحاجب المنصور: أعرفتماني؟ قالا نعم يا أمير المؤمنين، ولكن نخشى أنك لم تعرفنا، قال: بل عرفتكما، ثم نظر إلى الحاشية وقال: كنت أنا وهذين الرجلين سويا قبل ثلاثين سنة وكنا نعمل حمّارِين، وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما إذا كنت خليفة فماذا تتمنيان؟ فتمنيا ثم التفت إلى أحدهما وقال: ماذا تمنيت يا فلان؟ قال الرجل حدائق غنّاء، فقال الخليفة لك حديقة كذا وكذا. وماذا بعد قال الرجل: اسطبل من الخيل، قال الخليفة لك ذلك وماذا بعد؟ قال مائة جارية، قال الخليفة لك مائة من الجواري ثم ماذا؟ قال الرجل مائة ألف دينار ذهبا، قال: هو لك وماذا بعد؟ قال الرجل كفى يا أمير المؤمنين. قال الحاجب المنصور ولك راتب مقطوع -يعني بدون عمل- وتدخل عليّ بغير حجاب. ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت؟ قال الرجل أعفِني يا أمير المؤمنين، قال: لا والله حتى تخبرهم قال الرجل: الصحبة يا أمير المؤمنين، قال حتى تخبرهم. فقال الرجل: قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار واجعل وجهي إلى الوراء وأمُر مناديا ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن. قال الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر افعلوا به ما تمنى حتى يعلم (أن الله على كل شيء قدير..).
نعم، واستطاع بتوكله على الله واستغلاله القدرات الكامنة التي منحه الله إياها أن يحقق أهدافه...
- مهلا عدنا للقدرات الكامنة، قلت لك لا للتنمية البشرية .
- عفوا لن أسميها تنمية بشرية بعد الآن، بل سمّها أنت ما شئت لكن خد المعنى ودعك من طقمي وأين درست.. والمعنى من هذه القصة هو أننا كلنا لدينا حمار يجب أن نبيعه.. هل تعلم ما هو هذا الحمار؟ إنها تلك القناعات التي يحملها الكثير من قبيل: لا أستطيع، لا أصلح، لست أهلاً ... الخ. ونقطة الإنطلاقة هي تحديد هدفك وحلمك والإيمان به، ثم التوكل على الله سبحانه وتعالى.
لا ليست تنمية بشرية.

المؤلف: عادل بن حمو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق