الأربعاء، 19 أغسطس 2015

عظمة المرأة وصراع الحقوق

عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد كتب مرة يقول: "إن المرأة لم تزل ضحية الضحايا في كل عصر يطغى عليه الحرمان وتبوء بالشقاء".
إن قراءة التاريخ تدل بشكل أو بآخر على التناسب الطردي بين حقوق المرأة والتقدم الحضاري فما من مجتمع استفحل فيه الفساد الأخلاقي -وأقصد الأخلاق الحقيقة وهي لا تنحصر في اللباس كما يود البعض- والدمار الحضاري والتيه في صحراء الجهل إلا وكان وضع المرأة فيه غارقا في الانحطاط والعبودية.
كارل ماركس: "إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما، فأنظر إلى وضع المرأة".
من يقرأ عن النهضة الأوروبية وعن بدء جيل المثقفين في القرن السابع عشر في تلك المنطقة المظلمة سابقا المنيرة لبقاع العالم اليوم، سيعلم مدى تقارب حالنا اليوم مع حالهم. وإحدى التشابهات هي ظلم المرأة فقد كانوا قمة في التخلف الحضاري والفكري والثقافي يوم كانوا يناقشون هل للمرأة روح أم لا؟ هل المرأة كائن شيطاني أم لا؟ هكذا كانت المرأة عندهم، وهو ما لا يختلف كثيرا عن ما يحدث اليوم للمرأة العربية.
فقط في المجتمعات العربية تقف المرأة بالضد من حقوق المرأة تفخر وتفرح بتلك العبارات التي تحول منها إلى شيء يحوزه الرجل وهي مرتاحة إلى ما وصل إليه حالها.. عبارات "المرأة كنز الرجل - المرأة حلوى مغطى".

"المرأة مكافأة الرجل" عبارة تنشرها المرأة في الفيس بوك اعتقادا منها أن هذا أبلغ ما قد يقال في حق المرأة ولكن في الحقيقة ما من قول أبلغ من أن توصف المرأة بالإنسانة.
ولن يعيد حق المرأة إلا المرأة نفسها والمشكلة أن الإنسان لا يغير من حاله إلا بمقدار إحساسه بسوء حاله. فالفقر ليس سبب الثورة، بل الشعور بالفقر، كما يقول ماركس، كذلك ما لم تشعر المرأة بما سرق منها من إنسانية ستستمر في إهانة نفسها.

وشعرت بالراحة التامة يوم تحررت ولكن من ملابسها!! نوع من الأفيون تتعاطى منه المرأة كلما أرادت أن تتحرر حقا... ويبقى التحرر الفكري غاية لا تدرك لافتقار المرأة الإحساس بالحاجة إليه، على المرأة أن تعرف أن الحرية ليست اللباس وإنما اللباس حرية، لا يجب علينا اختزال حرية المرأة في الحصول على حق لبس ما تشاء، فالحرية أعمّ من اللباس بمراحل.
هناك فرق بين المرأة الإنسانة والمرأة "الشيء"
يطلق البعض دعاوى تحرر المرأة لكن دون أن تكون هذه الدعاوى مدروسة. يصرخون يا أيتها المرأة ثوري وتحرري من قيدك وهاجمي كل ما يمنعك من حريتك، ولكن أين لو تبعت المرأة صراخهم أين سينتهي بها المطاف؟

يعجبني قول لعالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي رحمه الله "لا يكفي الفكرة أن تكون صحيحة في حد ذاتها الأحرى بها أن تكون عملية ممكنة التطبيق".

على المرأة العربية أن تعلم أن العالم لا يتألف من النساء وحدهن، العالم يتألف من النساء والرجال. لذلك أي دعوى لا تحسب للمكون الآخر في العالم، لا تنشب أن تعود بالضرر على المجتمع، وبالتالي الضرر على المرأة نفسها، فهي ليست إلا نصف معادلة المجتمع. لذلك علينا أن نعي أن المرأة لن تحصل على حقوقها بمحاربة الرجل بسبب سلبه لحقوق المرأة، ولكن يتم بتغيير الأفكار السائدة في المجتمع، التي جعلت من سلب حقوق المرأة أمرا طبيعيا فيه. ولن تتغير هذه الأفكار من تلقاء نفسها بكل تأكيد، ولكن نشر الأفكار الجديدة، هو الذي سوف يغير الأفكار السائدة، وسوف تحل الأفكار الجديدة الداعية إلى حصول المرأة على حقوقها المسلوبة محل الأفكار القديمة، فهذا هو دأب كل مجتمع فما أن تشيع أفكار جديدة حتى نراه قد ترك ما اعتاد عليه لسنين طويلة استجابة إلى هذا الفكر الجديد، فالإنسان لا يترك عاداته إلا بعد أن يجد ما يشجعه على اتخاذ عادة أخرى معاكسة لها، لذلك على المرأة أن تثور ولكن بهدوء. عليها بالثورة ولكن بعقلانية.

وجدت في إحدى المرات على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، خبر حصول النساء في إحدى الدول على حق بسيط من حقوقهن بعد نضال طويل، ولكن رأيت تعليقات النساء على الموضوع لا تخلو من سخرية هنا أو هناك ولا اعلم لماذا! هل يردن الحصول على حقوقهن بلمح البصر!! هل الموضوع فعلا بهذه البساطة!! غير صحيح. فالمشوار طويل. إن المرأة العربية في القرن الواحد والعشرين، قد لا تنعم بكثير من الحقوق التي تتمناها، ولكن إذا سارت في الطريق الصحيح فلن ينتهي هذا القرن إلا وقد حصلت على حقوقها كاملة بلا نقصان. ولكن الطريق طويل، ويتطلب الصبر على سنين عجاف بلا حقوق إلا القليل، إذا كنّ فعلا يردن حقوق المرأة أن تُضمن كُلّها، لا بعض ما يُفرحن به أنفسهن من حقوق آنية لا تلبث أن تنقلب ضد المرأة بطريقة أو بأخرى. لذلك علينا أن نفهم أن كل تقدم بسيط يخدم حقوق المرأة هو شيء مفرح، هو شيء إيجابي، هو شيء يستحق أن يُدعم وأن نخطو بعده خطوة أخرى فإن "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة".


فمن ذا يقول إن الغاية عبث لأن الطريق إليها طويل!!

تأليف: علي الهاشمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق