الاثنين، 24 أغسطس 2015

السياسة والسلوك الإنساني

تلعب السياسة دوراً مهماً في كل مجالات الحياة الإنسانية، وتخترق الحواجز الممنوعة، وترتبط بالسلوك الإنساني ارتباطاً وثيقاً. ذلك أن الإنسان هو السياسة والسياسة هي الإنسان. كما يقول المؤسس الأول لعلم السياسة، أرسطو، مخاطباً الإنسان: "إن لم تكن سياسيا فأنت أحد أمرين: إما أن تكون فوق السياسي (بمعنى إله) أو تكون تحت السياسي (بمعنى حيوان)". لذلك كان ارتباط السياسة بالبشر ارتباطا عضويا طبيعيا.
إنّ الفكر السياسي يُعدّ من الخصائص الملازمة للإنسان، فهو المخلوق ((السياسي)) الوحيد من بين المخلوقات الحية. إذ أن العديد من المخلوقات تحيا ضمن تجمعات تختلف درجة تنظيمها. لكن عند ملاحظة العلاقات السلوكية لمجتمع البشر، تبدو ظاهرة السيطرة كعلاقة غير متكافئة، فالإنسان وحده من يعرف السلطة في علاقاته الاجتماعية. وهو متغير ومتجدد بطبعه، والسياسة تتعامل مع التجديد والتغيير والإصلاح، وكما يصفها الدكتور حسن صعب في كتابه علم السياسة: "هي القيام بالأمر بما يصلح". والإصلاح يتطلب التغيير والتجديد، فلا سياسة إلا في تجمعات تتجدد. وبما أن السياسة تتعامل مع السلطة وليس السيطرة، وأن الإنسان يتعامل مع السلطة وليس السيطرة، وأن السلطة تتطور أما السيطرة فتتكرر، بذلك يكون الإنسان سياسيا بطبعه.

كما أن السياسة جزء من المجتمع الإنساني الذي هو عبارة عن مجموعة من الناس والأفكار والمشاعر والأنظمة، والسياسة شأن يخص المجتمع ويؤثر فيه، كما أنّ التعليم والاجتماع والإعلام والقانون والحرب والسلام والاقتصاد كلها أمور تهم الناس جميعا وتتأثر مباشرة بقرارات الحكومة وممارستها، بالتالي كل إنسان يتعامل مع هذه المجالات هو بلا شك يتعامل مع السياسة.

والسياسة كسلوك هي رعاية شؤون الفرد -الإنسان- والمجتمع، فكل من يهتم برعاية شؤون نفسه ومجتمعه هو سياسي أو على الأقل هو يمارس السياسة حتى وإن لم يكن صاحب منصب حكومي أو حزبي أو حركي.
وبذلك فإن السياسة تدخل في كل مجالات الحياة الإنسانية الفكرية منها والسلوكية، إذ لا مجال للإنسان أن يكون بعيدا عنها بأي شكل من الأشكال، فحتى محاولة إبعاد الآخر عن السياسة هو بحد ذاته ممارسة لها.

هذا فيما يخص السياسة المحلية، أما علاقة الإنسان بالسياسة الدولية، فهي وإن كانت أقل شأناً، إلا أنها مرتبطة به وهو مرتبط بها كذلك، ولو بشكل غير مباشر. فثمة توجه من قبل الإنسان لفهم أبعاد السياسات الخارجية للدول، بما أنها أصبحت تؤثر عليه بفعل التداخل في ارتباطات السياسة بين كل العالم، وذلك مع تسارع الأحداث في الساحة العالمية بشكل غير معهود من قبل، فما يحدث في مكان معين في العالم يؤثر في مكان آخر بشكل ما. بما أنّ السياسة في كل أنحاء العالم مرتبطة بالسياسة في كل أنحاء العالم. و كما يقول برجنسكي مبيناً اقتحام الإنسان لعالم السياسة: إن العالم اليوم يعيش ما أسماه "الصحوة السياسية العالمية".

إذن، فالإنسان سياسي بالفطرة، يميل إلى السياسة وتميل إليه، كلما ابتعد عنها اقتربت منه، وكلما اقترب منها ازدادت غموضاً، لكنه لا يستطيع العيش دونها لأنها مرتبطة بحياته بشكل مباشر أو غير مباشر.

المؤلف: مهند الراوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق