الاثنين، 24 أغسطس 2015

التدين الجديد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
وبعد، فإن ظاهرة التدين الجديد قد اغتالت عقول الشباب، خاصة منهم أصحاب الطبقات العليا، وأثرت بدورها على الأوساط الإسلامية، واغتالت الدين في أصله...

الجماهير تميل بطبعها إلى من يسهل عليها أمر الدين ويجعله غير باهض التكاليف. و لعلّ ما نلاحظه من خطاب موسى عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم -بأن يطالب ربه بتخفيف الصلاة، وذلك لما عالجه من بني اسرائيل من قبل- ليس إلا دليلا على أن الجماهير تحتاج دينا يلبي لها مطالبها ولا يتنافي مع طموحاتها ولا شهواتها الدنيوية..
وإذا أضفنا لهذه الرغبة خوف هذه الجماهير على مصالحها ومتعها الدنيوية وميلها إلى الترف والدعة... فإن الأمر يكون أكد في أن تبحث هذه الجماهير على من يخفف عليهم هذا الدين ويزيح عنهم وطأته..

إنها -هذه الجماهير- لتجد بغيتها في هذا التيار الذي سمى نفسه بتيار التجديد، وتجد فيه ركنا تأوي إليه لتسهيل أحكام الدين بما لا يمنعهم أبدا من الانفتاح على الثقافة الغربية...
والشباب أنفسهم هم من اخترعوا لأنفسهم هذه الثقافة الجديدة التي سموها ظاهرة "الدعاة الجدد"، كنوع من الموضة وجدوا فيها منفذا للتنفيس عن احتياجاتهم الإنسانية المتناقضة...
لكن الخطاب الديني للدعاة الجدد لا يعدو أن يكون خطاب تلبية للاحتياجات الدينية للنخب والطبقات العليا، ومحاولة منهم لتقديم إسلام يحمل مواصفات خاصة لأبناء هذه الطبقة، بما يلبي رغبتها الحقيقية في التدين، وألا تحمل شعورا بالذنب تجاه وضعها الاجتماعي... هذا الدين صاحب المواصفات الخاصة لن تجده هذه الشرائح في خطاب الشيوخ التقليديين.
أمّا الأنظمة العلمانية فتشجع هذه الظاهرة الجديدة بشدة، باعتبارها ظاهرة لا تمس السياسة ولا ترى فيها مأربها. وفي تصريح لأحد هؤلاء الدعاة الجدد لصحيفة الشرق الأوسط يقول "إن الابتعاد عن السياسة كان سر نجاح هذه الظاهرة وما يميزها عن خطاب جماعات الإسلام السياسي الأخذ في الأفول، كما أن التدين الجديد، ذو الطابع المتعَوْلم، دائما ما يترعرع بعيدا عن الأوساط السياسية"..

إن الدول الغربية تدرك هذه الحقيقة، وتستعملها في خدمة أغراضها ومطامعها. فعقب أحداث 11 سبتمبر، في ظل فشل الخطاب الديني الرسمي، المتمثل في الأزهر في مصر، وفي ظل زيادة إقبال الناس على التدين وتصدُّر العلماء والدعاة بخطاب إسلامي علمي مؤصل وفقه للواقع وتقديم رؤية شاملة للإصلاح السياسي، تقوم على أساس الدين الصحيح... هذا الأمر الذي يهدد مستقبل الأنظمة العلمانية في هذه البلدان... اتجهت الأنظمة العربية إلى صياغة بديل قادر على حرف مسار التيار، وكان هذا التيار متمثلا في هؤلاء الدعاة الجدد. 

إن مجرد الاختلاط بهذه الأوساط الدعوية ولمس تصرفها في الواقع، يجعل المرء ولأول وهلة لا يرى كثيرا فرق بينه وبين الذين يمارسون حياتهم دون رقيب من الدين..
ثمة رخص ملحوظ على سلوكياتهم (فتيات يضعن المكياج - ملابس ضيقة - التعطر والنمص - سماع موسيقى - متابعة الأفلام في السينما العربية والغربية...).
إنهم يدعون إلى نشر ثقافة التسامح مع الكفار والمبتدعة بشكل يمس ثوابت الدين ويتجاوز الحدود الشرعية في معاملة أهل الكتاب...
وهذا مجتمع يجمع بين المتناقضات في شكل لا يستساغ أبدا، إذ يجعل من الشخصية المتدينة تذهب للشواطئ في حضور النساء والعري، ويسوغ ذلك عنده بأدلته المزعومة... تجعل منه شخصية ترى التمثيل فنا تدعو إليه الديانة وتشجعه.

لكن هذا التجديد في الدين وتطويع الـحكام حسب الرغبات وحسب الرائج، هو مفهوم ينافي مقصد الديانة من "تحديث الناس على قدر عقولهم". فإن التطويع الدائم لأحكام الدين وثوابته تجعلنا، في النهاية، أمام دين جديد قابل للتغيير ولتجديد والتعديل حسب أهواء الناس المتناقضة والمتغايرة وحسب سياسات البلد التي تسيطر.

هذه دعوة تقدم للشباب وجبة شهية من (الدين اللذيذ) دون (التكليف المرّ). إنه دين لا شوك فيه.
نحن أمام دين "نيولوك"... ربما يظهر بشكل أكثر أناقة إذا استمر الوضع. أمام نوع فريد من الدعاة الجدد الذين يمثلون الطبعة الإسلامية الليبرالية الجديدة.
-يتبع-

المؤلف: عبدالله مصطفى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق