الأربعاء، 19 أغسطس 2015

أمة منكوبة

أحمد الله حمدا كثيرا وأصلي وأسلم على من بعثه للعالمين بشيرا ونذيرا وأشهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله.
أما بعد إخواني وأخواتي فإن الله سبحانه وتعالى اختص أمة محمد عليه الصلاة والسلام بمكرمة عظيمة وأمانة عجزت الأرض والجبال والسموات أن يحملنها وحملها الإنسان. هذه الأمانة هي أمانة الدين باتفاق أغلب المفسرين. لقد شاء الله عز وجل أن جعل أمة نبيه الأعظم ورسوله الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه خير أمة أخرجت للناس قال تعالى في كتابه العزيز: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)). فلله الحمد على ما أعطى ولله الشكر على ما أخذ.. إن نعمة الإسلام من أجل النعم التي منّ بها الله علينا وأكرمنا بها؛ فالإسلام دين جامع لكل شأن من شؤون الحياة. فلقد تطرق الإسلام وسنّ عديد القوانين في مجال السياسية والاقتصاد والحرب والصحة وفي مجال التعليم... إلى آخره من مجالات الحياة التي إن أردنا أن نعدها لما استطعنا إلى ذلك سبيلا. فالله وبشريعته العظيمة الجليلة أدخلنا تحت سقف عظيم إن استطعنا أن لا نميل عنه نجونا في الدنيا والآخرة ألا وهو الصراط المستقيم. لا تصح صلاة المؤمن بدون ذكر هذه الآية ((اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ))، وفي الحقيقة لقد تدبرت في هذه الآية قليلا فوجدتها سبب سعادة المؤمن في الدنيا وفوزه في الآخرة. نعم إخوتي أخواتي وأستحضر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يؤصل مفهوم الصراط المستقيم في أذهان الصحابة فقال: ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جانبي الصراط، سوران مفتحة بينهما، وأبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: "يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا" وداع يدعو من فوق الصراط. فإذا أراد الإنسان فتح باب من هذه الأبواب قال: "ويحك، ويحك، إن تفتحه تلجه" -انظروا ماذا قال بعد ذلك– فالصراط هو الإسلام -وهذا هو الشاهد- والستور هي حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط هو قلب كل مسلم" انتهى.

إن الصراط المستقيم هو الإسلام بمقتضى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمؤمن العاقل الفاهم المتدبر حين ما يخشع في صلاته ويدعو الله لهدايته في كل المجالات للصراط المستقيم، فهو بفضل الله يسعد في الدنيا ويفوز في الآخرة بنعمة من الله وفضل عليه وكما قال أحمد الشقيري: "الصراط المستقيم لسعادة المسلم وليس لشقاءه" فوالله لم ينزل القرآن لشقاء البشر ولكن نزّله الله لتكون أنت.. نعم أنت.. لتكون في أرقى وأسمى وأطهر طريقة تظهر فيها أمام الناس؛ أمام نفسك، أمام والديك، أمام زوجك، أمام أولادك، أمام أقاربك، أمام أصدقائك وأحبابك. وفي الأخير أمام المجتمع كله.

إن الأمة الإسلامية وعبر التاريخ -منذ نزول القرآن على سيدنا محمد إلى يومنا هذا- عرفت عديد التغيرات والتقلبات والنكبات. فانظر أخي الكريم وأختي الكريمة إلى أيام الأمة في عهد الرسول وعهد الخلفاء الراشدين من بعده ثم انظر كيف أصبحت في عهد الدولة العباسية والأموية والعثمانية وغيرها حين تمسكها بالصراط المستقيم في تعاملها في مختلف مجالات الحياة ثم قارن ما حققت هذه العصور وانظر إلى حال الأمة الإسلامية هذه الأيام وما تم تحقيقه. ستعلم حينها وبمجرد قليل من التفكير وإعمال العقل أن العرب في مشارق الأرض ومغاربها لم يقوموا بإنجازات كثيرة في سنين كثيرة إلا ما رحم ربي. وبذلك نستخلص أنه لن تقوم لنا قائمة إلا حين ما نعود إلى الإسلام وأستشهد على ذلك بحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -فاروق الأمة رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله". كأنك بيننا يا عمر.. نعم لقد ابتعدنا عن الإسلام في القرن الــ 21 كتباعد الأرض عن السماء فهاهي النتائج أمامكم؛ جامعاتنا تحتل المراكز الأخيرة في العالم.. هذا على سبيل المثال وستجد غيره في مجالات عديدة وكثيرة مثل السياسة والاقتصاد والفنون الجميلة مثل المسرح والسينما والرسم إلى غير ذلك من هذه المجالات. قد شاهدنا ما فعلت الأنظمة الديكتاتورية في الشعوب العربية والإسلامية من إعاقة كلية لكل وسيلة من وسائل التفكير وها نحن نرى ونشاهد ونسمع أيضا ما يحصل في أيامنا هذه، أيام "الحرية" كما يدّعون، ها نحن نرى العجب العجاب وما وصلت إليه دول الحرية من فوضى وقتل وعنف وهمجية بين أبناء الشعب الواحد وأكبر دليل على كلامي هو ما يحصل اليوم في كل من تونس وليبيا من قتل للجنود وقتل للأبرياء والمستضعفين من الولدان والشيوخ والنساء. هذه حال أمتنا في عصر "الحرية".

أقول وبالله التوفيق أنني لا أنكر حجم العقل البشري الذي وبفضل الله صال وجال في كامل الكون وحقق عديد الإنجازات المهنية والإبداعية بفضل ما وصل إليه من نهضة فكرية وتقدم علمي وتكنولوجي مبهر لكن في مجال تنظيم شؤون الناس فإنه لا يخفى على جميع الناس أن للقوانين الوضعية التي صنعها العقل وألفها قد باءت بالفشل الذر يع وأكبر دليل على صحة كلامي أن للقوانين ثغرات عظيمة وصلت في كثير من الأحيان إلى تبرئة المجرم وتجريم البريء فأي عصر نعيش فيه؟؟.. يا للخزي والعار أن ننقاد وراء قانون من صنع البشر وننساق إليه كانسياق القطيع وراء الراعي ويا حزن ما سأقوله الآن. فالراعي الآن ليس مسلما وليس عربيا بل هذا الراعي هو الغرب اليهودي والصهيوني والمسيحي والمنافقين من العرب. إنه لعار كبير ولخزي عظيم في وجوهنا أولا أمام الله ثانيا أمام رسول الله ثالثا أمام سلفنا الصالح أن نصبح بهذا الهون والضعف الذي نعيشه الآن في هذه المرحلة العصيبة في تاريخ الأمة.. أنظر قليلا معي وتدبر في حال الأمة الآن؛ قصف بالليل والنهار على غزة من طرف العدوان الإسرائيلي الغاشم. في آخر هجوم على غزة سقط حوالي 1300 قتيل وأكثر من 7200 جريح وهل تظن أنهم من الجنود والمقاومة؟؟ لا ورب الكعبة بل إنهم من الأطفال والنساء والشيوخ. أي عدوان هذا؟؟ وأي مجزرة هذه؟؟ لا نملك الآن إلا أن نقول ((حسبنا الله و نعم الوكيل)). أنظر إلى سوريا اليوم أيضا مئات القتلى وآلاف الجرحى والمخطوفين.. هؤلاء يتعرضون لأقصى أنواع التعذيب. بالله عليكم أين منظمة حقوق الإنسان وأين قانون حق الشعوب في تقرير مصيرها؟؟ إنا لله وإنا إليه راجعون. كل هذه الحروب والآفات ناتجة عن سبب واحد ألا هو الحياد والخروج من الصراط المستقيم والابتعاد عنه فانظروا إلى حجم المصيبة التي وقعنا فيها؟ هذه عينة صغيرة من الذي نعايشه في هذا العصر؛ عصر غلبت فيه الماديات والشهوات، عصر طغى فيه حب الدنيا وكراهية الموت، أقل ما يقال عن هذا العصر أنه عصر لجاهلية ظلماء. فبالله عليكم متى يلوح نور الصبح ونور العلم ونور الإيمان من جديد؟؟ صدقوني قريبا قريبا بإذن الله سيعلو صوت النصر قريبا بفضل الله ومنّه علينا. هذا ليس من باب التمني بل لا إنه من باب علم اليقين في انتظار عين اليقين. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)). فأبشروا يا إخوتي ويا أخواتي.. أبشروا بنصر من الله وفتح قريب.. فبإذن الله سنعود للالتفاف حول هذا الصراط المستقيم وسنهزم أعدائنا أعداء الدين بفضل من الله ومنه علينا ..

ولكن أعلموا يا أحبتي أننا لن نتمكن من تحقيق النصر إلا بثلاث: الإخلاص في العلم وفي العمل وكذا الثقة بوعد الله. فلنتوكل على الله وسيأتينا النصر عن قريب بإذن الله سبحانه وتعالى وسنفصّل ذلك أيها الأحبة بفضل الله في المقالات المقبلة بإذن الله...

المؤلف: محمد أمين الهبيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق