الجمعة، 28 أغسطس 2015

الفن والطفل

ربه على الفن طفلا...كي تعلي للإنسان صرحا
منذ أن غادرت مقاعد الإعدادي وانتهت دروس مادة التربية التشكيلية لا أذكر يوما أنني أمسكت فرشاة وخلطت الألوان. لا أعرف السبب فقد يكون قصورا حسيا في هذا الجانب الإبداعي إما لسبب ذاتي أو لقناعة ترسخت عندي بآرتباطه بمادة دراسية منتهية لم تحمل في رأيي عناصر بيداغوجية تحفز التلميذ لتنمية حسه ورؤيته الفنية فكانت مقتصرة على عدد متدن يسند بناء على موضوع لا يخلو من الطلاسم.

أذكر أنني لم أكن أحب الحصة لأن الأستاذة كانت تحملها مالا تحتمله من جو متشنج ومشحون بينها وبين تلاميذها. كما أذكر أنني كلما اعتقدت أنني فككت أحجية المعطى وفهمت المطلوب ورسمت على أساسه فإنني لم أكن أحصل على عدد يناهز الخمسة من عشرين. بينما إذا أنا تجاهلته وشرعت أعبث بالألوان وحركتها على الورقة فإنني لم أكن أتفاجؤ بعدد يقل عن خمسة عشر.

أصبحت اليوم أعتقد في ثلاثة أمور تتعلق بإدراج مثل هذه الفنون في البرامج التعليمية للناشئة:
الأول هو تعزيز الجانب النظري للفن ولقيمة دوره في إعلاء وبناء الإنسان وإلقاء الضوء أكثر على منارات الإبداع وقاماته في العالم لعل من خلالها تتجسد في وعي التلميذ شاكلة مختلفة عما ألفه من القدوات بحيث لا تصبح حصة التربية التشكيلية ضربا من أشغال تطبيقية لعنصر نظري مغمور ولا يفي بدوره التربوي وقد تنتهي بأن ينفر منها التلاميذ أو يأتونها كرها وإجبارا وهذا ماكنت ألاحظه.
والأمر الثاني هو ضرورة تغليب البعد التجريدي في ما يطلب من التلاميذ وأن تترك لهم مساحة واسعة من الحرية في تلك السن خصوصا لكي يفترشوا اللوحة مهادا لما ستنضح به تعبيراتهم وما ستستنبطه أناملهم. فالفن رمز لكسر القيود وللتطلع في آفاق أرحب بكثير مما هو موجود محط النظر فلا داعي لأن نحد من هذه الإنطلاقة لديهم تحت مسميات علمية.
أما لأمر الثالث فهو التخلي عن البعد التقييمي للأعمال التي سترى النور خلال تلك المرحلة... كل عمل يولد عن الطفل هو إبداع فهو انعكاس وجداني عميق لمكنون لا يزال مادة خام وهو تعبير عن نوع مختلف من الذكاء يصقل وينمى بالتحفيز الإيجابي بعيدا عن منطق الأعداد.

وفي النهاية فإن لكل طفل خصوصيته في التعبير وفي الرؤية فلا يجب قولبة هذا الجانب عنده وتنميط حسه كي يستقيم مع معايير التقييم.
إن التلميذ الخاضع لمناهجنا التعليمية المقترنة بالتلقين والقياس أساسا في حاجة إلى متنفس يخرج به قليلا عن المألوف... فلتكن التربية الفنية هي ذاك المتنفس.

الصور المرفقة مع هذا المنشور وثقت بها عودة إلى الفرشاة والألوان من جديد عودة بدون معطى وبدون عدد. فكان من حسن حظي أنني شاركت الصغار في #فريق_الطفل_المبدع فسحتهم الفنية الحرة.
وكنت سعيدة للغاية مثلهم بالنتيجة التي آنتهيت إليها لعل التقنية لم أستحسنها كثيرا لكن تجربة خلط الألوان والإضافات والانتقال بين مستوياتها كانت جميلة ولعل فيها محاكاة لفلسفة الحياة نفسها.

المؤلف: رحاب طاوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق