الخميس، 27 أغسطس 2015

مغامرة إرادة في ثنايا القدر

يؤمر القدر ليصطفي في كل مرة إرادة يجري عليها عبرات يتعظ بها بنو الإنسان.. فوقع الإختيار مرة على إحدى هذه الإرادات، والتي لم تكن قد تأهبت لمثل هذا المصاب، كانت هذه الإرادة تتسم بالصدق والحياء وليس لها سابق دراية بما يمكن أن تحدثه أمثال هذه الأسفار التي لا مرسى لها و لا مرساة، و لا تخضع لزمان و ا تركن إلى مكان فحتى عقارب الساعة فيها تتخلى عن المجاز في مسماها لتصير كل ثانية منها عبارة عن لسعة مؤلمة يتراوح مفعولها بين الإماتة والإغماء.. إماتة عن المحسوسات فتفقد الحواس قيمتها الحيوية بل وتستحيل عائقا أمام التصرف الرشيد القويم، وإغماء عن موجود لاتفيد الإفاقة فيه لما يحويه من تسعير لمارج الأماني المؤرقة.. ما إن علمت هذه الإرادة أن الدور أتى عليها حتى عمدت إلى لملمة متاع قد يحتاج إليه، أخذت معها الطيبة التي كانت تحتفظ بها بين طيات أثواب وضيعة القيمة، أيضا اصطحبت الصدق الذي كان مكشوفا على الشرفة طول الوقت، فهي كلما أرادت مواراته عن الأنظار إلا ووجدته باديا مطلا من شرفات الباطن، فكرت كذلك في أخذ الكلمات معها، تلك التي كانت متناثرة في كل مكان مبثوثة في جميع الأرجاء، إذ كانت متعودة على المماطلة والخيانة، فكلما احتاجتها الإرادة إلا وتخلت عنها، لكن المسكينة رغم علمها بذلك تقرر اصطحابها لعلها تتنزه هذه المرة عن طباعها الخوانة.. ما إن استقر الأمر ورتبت المتاع حتى وجدت نفسها تنظر من خلال شرفة مطلة على سبل وثنايا مختلفة لا يشبه أحدها الآخر، وعلامات الحيرة والكدر بادية عليها..
ما أصابك أيتها الإرادة؟! لم التحلي بحلية الضجر والإنكسار؟! أهو الخوف من هذا الإصطفاء؟؟ أهو التوجس من هذه السفرة الفجئية؟؟
لا.. لا.. الأمر ليس كذلك، إنها محتارة ولا تستطيع الحسم في أحد الخيارات، لا تعرف أيجدر بها اصطحاب العقل أم لا؟! من جهة قد يكون حكيما راعيا للمصالح دارئا لسواها لكون ميزانه لا يكيل إلا وفقا لهذه الموازنة، لا يعنيه في ذلك ما تنزع إليه الرغبات وما تريده، لكنه من جهة أخرى قد يغالي في انتهاج درب "السلامة" فيخسر الثمين ويكذب الأمين... في النهاية أقرته مرافقا مع امكانية التخلي عنه متى عبث بما لا يحق له..
وانطلقت الرحلة وبدأ المسير فإذا بها أمام جمع من السبل المتعددة، فأيها تسلك يا ترى؟! فهذا الطريق منكشف لا سترة فيه تنخلع منه معاني الحياء، كله مباشراتية ومشبع بالظاهرية، وذاك يظهر جماله من خلال زهرات مرصعة على ضفتيه تفوح منها ما يبدو أنه أريج والحال أنه نتن لا يتحمله من عاش في النقاوة والصفاء ثم إنه مليء بالأشواك الخبيثة والكائنات المخادعة والخائنة، وغيره... وغيره... وغيره... ولاح على الطرف هناك درب يغشاه غموض مريح ويعبقه ريح الألغاز والأسرار المبهمة، هي مبهمة فقط على أصحاب الأفئدة الجوفاء والمدارك القاصرة..
فانتهجت الإرادة هذا السبيل متحاشية بذلك طريق الإنكشاف والمباشراتية ومتجنبة درب الجمال البادي والضنك الخافي، متخذة من العقل مشكاة تشتت قتامة الغموض لتغوص في ملكوت مغامرة قد تنجو منها وقد لا تنجو..

المؤلف: إحسان بن الأزهر مغزاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق